أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م : دروس من الهجرة النبوية ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م : دروس من الهجرة النبوية ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 7 محرم 1444هـ – الموافق 5 أغسطس 2022م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : دروس من الهجرة النبوية.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : دروس من الهجرة النبوية ، بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : دروس من الهجرة النبوية، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة: دروس من الهجرة النبوية ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) إتقانُ التخطيطِ، وحسنُ توظيفِ الطاقاتِ .

(2) حسنُ التوكلِ على اللهِ تعالى مع الأخذِ بالأسبابِ .

(3) ما أحوجنَا إلى هجرِ المعاصِي . 

(4) عدمُ اليأسِ، وفتحُ بابِ الأملِ، واستجلابُ معيةِ اللهِ تعالى .

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة دروس من الهجرة النبوية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:

خطبة بعنوان «دروسٌ مِن الهجرةِ النبويةِ» بتاريخ 7 المحرم 1443 ه = الموافق 5 أغسطس 2022 م

نعيشُ هذه الأيامَ مع بدايةِ السنةِ الهجريةِ الجديدةِ ذكرى عطرةٍ غراء، ألَا وهي ذكرى هجرةِ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- مِن مكةَ المكرمةِ إلى المدينةِ المنورةِ، وقد كان لها عظيمَ الأثرِ في تغييرِ العالمِ، وتوجيهِ مجرى التاريخِ الإنسانِي، وفيما يلِي نقتطفُ مِن دروسِهَا، ونرتشفُ مِن فوائدِها، ونستلهمُ منها العبرَ التي نسترشدُ بها في واقعِنَا المعاصرِ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

(1) إتقانُ التخطيطِ، وحسنُ توظيفِ الطاقاتِ .

لم تكنْ الهجرةُ قرارًا اتّخذَهُ النَّبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- ونفذَهُ في الحالِ، بل كان قرارًا مدروسًا، وقد أخذَ وقتًا كافيًا في التَّفكيرِ بهِ وإعدادهِ، ثمَّ تنفيذهِ .

إنَّ الهجرةَ تعلمُنَا كيف يؤدِّي التخطيطُ الجيِّدُ دَوْرَهُ في تحقيقِ النَّجاحِ، وحُسْنِ توظيفِ الطاقاتِ، وسلامةِ استغلالِ القدراتِ المتاحةِ، فالصَّدِيقُ قبلَ الطريقِ، والراحلةُ تُعْلَفُ وتُجهَّزُ قبلَ أربعةِ أشهرٍ وبِسرِّيةٍ تامَّةٍ، وفي كتمانٍ وحذرٍ شديدٍ، ونلمحُ حسنَ التخطيطِ وتوظيفَ الطاقاتِ في الآتي:

– تجهيزُ المدينةِ بإرسالِ مَن ينشرُ الإسلامَ فيها: فأصبحتْ المدينةُ مُستعدَّةً لاستقبالِ سيدِنَا رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- وحمايتهِ قبلَ أنْ يخرجَ مِن مكَّةَ المكرمةِ حتى يجدَ مَن يُآزرهُ، ويقفَ بجوارهِ لنشرِ الدعوةِ الإسلاميةِ هناك .

 – الإذنُ بهجرةِ أصحابِهِ قبلهُ: ولو هاجرَ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- قبلَ أصحابهِ رضوانُ اللهِ عليهم؛ لانتبهتْ قريشٌ، ومنعتْ باقي الصَّحابةِ مِن الخروجِ واللحاقِ بهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم .

اختيارُ الرفقةِ والوقتِ المناسبِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: “فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِى بَيْتِنَا فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ قَائِلٌ لأبِى بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ (صلَّى ُ عليه وسلم) مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِى سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَكَ أَبِى وَأُمِّى، وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا لأمْرٍ، فَجَاءَ النَّبِىُّ (صلَّى اللهُ عليه وسلم) فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لأبِى بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ” (رواه البخاري) .

– توزيعُ الأداورِ كلٌّ حسبِ قدرتِهِ وجهدِهِ: فعليٌّ بنُ أبي طالبٍ – كرمَ الله وجهَهُ- يُكَلَّفُ بالنومِ في فراشِ النبِيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – تَمويهًا على المشركين وتخذيلًا لَهم، وهو دورُ الفتيانِ الأقوياءِ .

– ضمانُ استمرارِ مؤنةِ الطعامِ والشرابِ في الغارِ: حيثُ تجلَّى في حادثِ الهجرةِ دورُ النِّساءِ، ويوضحُهُ قولُ السيدةِ عائشةَ متحدِّثةً عن نفسِهَا وأختِهَا أسماء:”فَجَهَّزْنَاهُمَا، أَحَثَّ الْجِهَازِ وَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِى جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَأَتْ بِهِ الْجِرَابَ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ”(البخاري).

– جهَّزَ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- مَن يمحُو الأثرَ، ويأتيهِ بأخبارِ مكةَ ليلًا: حتى الأطفال شاركُوا في هذا الحدثِ الفارقِ في تاريخِ المسلمين، ويمثلُ ذلك عبدُاللهِ بنُ أبي بكرٍ وعامِرُ بنُ فهيرةَ حيثُ يسلكُ بقطيعهِ طريقَ الغارِ؛ لِيُزيلَ آثارَ الأقدامِ المؤدِّيةِ إليهِ، ثم يُسقِي النبِيَّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – وصاحبَهُ مِن لبنِ غنَمِه، قالتْ عائشةُ – رضي اللهُ عنها -: “ثُمَّ لَحِقَ النَّبِىُّ عليه السلام وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِى جَبَلٍ، يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَمَكُثَ فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ – وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ – فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِى رِسْلِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِى الثَّلاثِ” (رواه البخاري) .

– تجهيزُ مَن يعرفُ الطَّريقَ إلى المدينةِ: كما اتَّخَذَ النبِيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – عبدَاللهِ بنَ أريقطٍ دليلًا عارفًا بالطريقِ برغمِ كونِهِ مشركًا، ما دامَ مؤتَمنًا، مُتقِنًا لعملهِ، ولذلك أرشدَهُم – بِمهارتِهِ – إلى اتِّخاذِ طريقٍ غيرَ الطريقِ المعهودةِ كيلَا يتتبعهُ المشركون ومَن لفَّ لفهم .

مِن هُنا نأخذُ الدرسَ، ونفطنُ للعبرةِ في حادثِ الهجرةِ النبويةِ، فالمسلمُ مطالبٌ أنْ يخططَ لمَا سيقدمُ عليهِ في مستقبلهِ، ولا يتركُ حياتَهُ تسيرُ بعشوائيةٍ دونَ النظرِ للعواقبِ التي يرجُوهَا، مع الأخذِ في اعتبارهِ بكتمانِ أمرهِ وعدمِ إعلانهِ حتى يتمَّ اللهُ مطلبَهُ، ويحققَ غرضَهُ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» (الطبراني، إسناده ضعيف) .

ونلاحظُ في حادثِ الهجرةِ أنَّ أبا بكرٍ الصديقَ قد نقلَ حبَّهُ لهذا الدينِ إلى أهلِ بيتهِ لكنْ تجد البعضَ اليوم يعانونَ مِن مرضِ العزلةِ عن عائلاتِهِم، فتجدُ لهم خيرًا كبيرًا خارجَ بيتهِم، ثمَّ هُم لا يتواصلون مع أقربِ الأقربين إليهم، وهذا غيابٌ كبيرٌ للفهمِ، وضياعٌ هائلٌ للأولوياتِ، فيا ليتنَا نتعلمُ مِن الصديقِ هذا، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (مسلم) .

*قد يسألُ سائلٌ: لماذا هاجرَ عمرُ رضي اللهُ عنه علنًا، والرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم يهاجرُ سراً ؟

الواقعُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم مُشرِّعٌ، وعمومَ المسلمين سيقلدونَهُ سواءٌ في زمنهِ أو في الأزمانِ المتعاقبةِ. وعمومُ المسلمين لا يطيقونَ ما فعلَهُ سيدُنَا عمر، وليس مطلوبًا منهم ذلك، لكنَّ المطلوبَ هو أخذُ الحذرِ والحيطةِ، والتمسكُ بالأسبابِ الكاملةِ لتأمينِ عملية الهجرةِ، والهجرةُ في حدِّ ذاتِهَا لم تكنَ هدفاً، إنَّما كان الهدفُ الوصولُ إلى المدينةِ؛ لإقامةِ الدولةِ هناك، فكان الواجبُ تجنبَ كلِّ المعوقاتِ التي تقفُ أمامَ ذلك.

أمَّا موقفُ سيدِنَا عمرَ بنِ الخطابِ فكان موقفاً فردياً، وقد صنعَ رهبةً كبيرةً في قلوبِ المشركين حيثُ أوقفَ تخطيطَهُم، وشلَّ تفكيرَهُم، وهاجرَ معه مجموعةٌ مِن ضعفاءِ المسلمين آنذاك لم يستطعْ أحدٌ أنْ يقتربَ منهم، ولو أنَّهم خرجُوا بمفردِهم كادُوا أنْ يُقتلوا .

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

(2) حسنُ التوكلِ على اللهِ تعالى مع الأخذِ بالأسبابِ .

لقد ظهرتْ إرادةُ اللهِ عزَّ وجلَّ فوقَ مكائدِ المشركين والحاقدين مهما كانتْ قوتهَا وعظمتهَا، فقد حاولَ مشركُو مكةَ أنْ يقضُوا على الدعوةِ في مهدهَا، ودبرُوا للتخلصِ مِن نبيِّها – صلَّى اللهُ عليه وسلم – بشتّى الطرقِ والوسائلِ مِن مساومةٍ وحصارٍ وتعذيبٍ، لكنَّها فشلتْ في أنْ تزعزعَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وصحابتَهُ عن ما هُم عليه، بل زادتُهُم يقينًا في دعوتِهِم، وإصرارًا على نصرةِ دينِهم، فما كان أمامَ هؤلاءِ إلّا وسيلةً أخيرةً، هي القضاءُ على رمزِ الدعوةِ سيدِنَا محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم غيرَ أنَّ اللهَ أرادَها بدايةً لانتصارِ الدعوةِ قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَويَقْتُلُوكَ أَويُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾

إنَّ التَّوكلَ على اللهِ تعالى، وحسنَ اليقينِ بهِ قد جعلَ الهجرةَ رحلةً ممكنةً، مع أنَّها بموازينِ البشرِ، ومقاييسِ العقلِ تعدُّ مستحيلةً؛ لِمَا حُفتْ بهِ مِن مخاطرَ متعدِّدةٍ كالطرقِ الوعرةِ المجهولةِ، وكثرةِ المترصدين، وقلَّةِ الزَّادِ والمؤنِ، وخروجهِ مِن دارهِ وقد تجمعَ عصبةُ الشركِ للإنقضاضِ عليهِ لكنْ شاءتْ إرادةُ اللهِ أنْ يخرجَ سالمًا دونَ أنْ يراهُ أحدٌ ﴿وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾، وقد اتخذَ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- حزمةً مِن القراراتِ التي لا يعلمُ عاقبتُهَا إلَّا أنَّه اتَّخذَها متوكلاً على اللهِ تعالى، ولم يتراجعْ ومضَى في هجرتهِ مستعيناً بربِّهِ، متعلقاً بنصرهِ؛ إذ يدركُ قولَهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾؛ ولذا صحبتُهُ عنايةُ اللهِ وجنودُه التي تصحبُ المتوكِّلين عليه، فهذا سُراقةُ بنُ مالكٍ يُبْصِرُ مكانَ المختبِئَيْن، فإذا بالعدوِّ ينقلبُ صديقًا، يعرضُ عليهما الزادَ والمتاعَ، ويَذْهبُ بوصيَّةِ رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -: “أَخْفِ عنَّا” (البخاري)، وهذا الحمامُ يعشعشُ أمامَ الغارِ، والعنكبوتُ قد نسجَ خيوطَهُ الواهيةَ ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾، فكانتْ حائطاً وسداً منيعاً حين وقَفَ المشركون على شفيرِ الغارِ حتى قالَ أبو بكرٍ: “لو أنَّ أحدَهُم نظرَ تَحْتَ قدمَيْهِ لأبصرَنا”؟ إنَّه اللهُ، ولذلك كان جوابُه صلى اللهُ عليه وسلَّم: “ما ظَنُّكَ يا أبا بكرٍ باثْنَيْن اللهُ ثالثُهُما؟” (البخاري) .

وللهِ درُّ أميرِ الشعراءِ أحمد شوقي حيثُ قال:

سَلْ عُصبَةَ الشِركِ حَولَ الغارِ سائِمَةً … لَولا مُطارَدَةُ المُختارِ لَم تُسَمَ

هَل أَبصَروا الأَثَرَ الوَضّاءَ أَم سَمِعوا … هَمسَ التَسابيحِ وَالقُرآنِ مِن أُمَمِ

وَهَل تَمَثَّلَ نَسجُ العَنكَبوتِ لَهُم … كَالغابِ وَالحائِماتُ وَالزُغبُ كَالرُخَمِ

فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُم … كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ

لَولا يَدُ اللَهِ بِالجارَينَ ما سَلِما … وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ

تَوارَيا بِجَناحِ اللَهِ وَاِستَتَرا … وَمَن يَضُمُّ جَناحُ اللَهِ لا يُضَمِ

وفي هذا درسٌ عمليٌّ لكلِّ إنسانٍ أنْ يأخذَ بالسببِ، ويتوكلَ على المسببِ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ هو الذي خلقَ الأشياءَ، وهو قادرٌ على تفاعلِهَا مع بعضِهَا البعض، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» (ابن ماجه بسند صحيح) .

أمَّا أنْ يجلسَ الإنسانُ في بيتهِ منتظراً فرجَ ربِّهِ دونَ أخذهِ بالأسبابِ، فهذا يتعارضُ جملةً وتفصيلاً مع مقاصدِ الشريعةِ، وتأباهُ النفوسُ الشريفةُ؛ إذ السماءُ لا تمطرُ ذهباً ولا فضة، بل يعظمُ الأمرُ عندما تجدُ شاباً فتياً يمدُّ يديهِ يسأل الناسَ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» (أحمد بسندٍ صحيح) .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة

(3) ما أحوجنَا إلى هجرِ المعاصِي . 

إنَّ الهجرةَ النبويةَ لم تُكرمْ على أنَّها انتقالٌ مِن مكانٍ إلى مكانٍ آخر بل لأنَّها تجسيدٌ للسلوكِ التعبدِي الإيمانِي الذي ينتقلُ فيه العبدُ السالكُ نحو خالقهِ من العادةِ إلى العبادةِ، ومن الغفلةِ إلى الذكرِ، ومن البعدِ عن اللهِ إلى مرتبةِ القربِ منه عزَّ وجلَّ، ومن المتفقِ عليه أنَّ الهجرةَ المكانيةَ قد انقطعتْ بوفاةِ الرسولِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» (متفق عليه) .

لكن بقي هجرانُ المعاصِي والفواحشِ ما ظهرَ منها وما بطنَ فعَنْ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» (متفق عليه)، فما أحوجَ القلوب للهجرةِ إلى خالقِهَا، والإخلاصِ  في التوجُّهِ إليهِ في السرِّ والعلانيةِ فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (متفق عليه) .

بهذا المفهومِ تكونُ الهجرةُ شاملةً لسلوكِ الفردِ، وواقعِ المجتمعِ، تتجددُ معانيهَا حسب الأشخاصِ والزمانِ والمكانِ فعن معاويةَ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم يقولُ: «لا تنقطعُ الهجرةُ حتى تنقطعَ التوبةُ، ولا تنقطعُ التوبةُ حتى تطلعَ الشمسُ مِن مغربِها» (أبو داود بسند صحيح) .

العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة

(4) عدمُ اليأسِ، وفتحُ بابِ الأملِ، واستجلابُ معيةِ اللهِ تعالى .

*عدمُ اليأسِ، وفتحُ بابِ الأملِ، واستجلابُ معيةِ اللهِ تعالى: في زحمةِ التنافسِ على الدنيا، والتكالبِ عليها قد تضيعُ البوصلةُ، وتُخطئُ الوجهةُ، وتتثاقلُ النفسُ عن طلبِ الآخرةِ، وتنسَى حقَّ اللهِ والمثولَ أمامَهُ، لكنَّ الهجرةَ بمعناها الشاملِ تسمحُ بإعادةِ توجيهِ الإنسانِ نحو الآخرةِ، وتربيةِ النفسِ على طلبِ العلا، فينالَ العبدُ معيةَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويأنسَ بقربهِ، ويغترفَ من أنوارِ محبتهِ، لكنْ هذا يحتاجُ إلى  حسنِ عملٍ يتبعُهُ يقينًا صادقًا قالَ ربُّنا: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ .

إنَّها المعيةُ الإلهيةُ التي طمئنتْ موسى وأخاهُ هارون – عليهما السلامُ- بالنصرِ ﴿قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى﴾، وهي المعيةُ الربانيةُ نفسُهَا التي طمأنتْ وأيدتْ رسولَ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- وصاحبَهُ رضي اللهُ عنه في شدةِ الابتلاءِ قالَ تعالى: ﴿إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ .

إنَّ رحلةَ الهجرةِ كانتْ لا تتمُّ بدونِ صبرٍ ويقينٍ باللهٍ عزَّ وجلَّ، وقد كان اللهُ قادراً على نقلِ نبيِّهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم- إلى المدينةِ بالبراقِ كما نقلَهُ إلى المسجدِ الأقصى في رحلةِ الإسراءِ، إلَّا أنَّ الهجرةَ تتعلَّقُ بجانبِ القدوةِ لكلِّ مَن يأتِي بعدَهُ- صلَّى اللهُ عليه وسلم-، لذا احتاجتْ إلى صبرٍ ويقينٍ، وعدمِ يأسٍ مع توطينِ النفسِ على فتحِ باب الأملِ؛ لذلك كان النصرُ حليفَهُم، والفلاحُ سبيلَهُم قال ربُّنَا: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ .

نحنُ بأمسِّ الحاجةِ إلى إدراكِ هذه المعانِي وتلك المقاصدِ، فهي تنيرُ طريقَنَا، وتحفظُ شبابَنَا، وتجددُ الأملَ، وتبعثُ في النفسِ الطمأنينةَ والسلامةَ في واقعٍ طغتْ فيه الأنانيةُ المستعليةُ والماديةُ البغيضةُ، فتجد البعضَ يُعرضُ نفسَهُ للموتِ في سبيلِ هجرانِ وطنهِ طمعاً في مالٍ أو شهوةٍ أو متعةٍ …. إلخ، مع أنَّ هذا يتعارضُ مع مقاصدِ دينِنَا، وأعرافِ مجتمعِنَا فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ» (الترمذي وحسنه) .

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ .

كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »